التراجع المستجد على مسار تشكيل الحكومة خطوات، جعل التأليف في دائرة المراوحة رغم التحفيزات الفرنسية الموزعة بين ابلاغ الرئيس ​ايمانويل ماكرون​ عدداً من المسؤولين برغبته تقديم موعد زيارته الى ​لبنان​ التي كانت مقررة في شباط، بهدف اعطاء دعم للحكومة، وكذلك اقدامه على خطوة ايجابية تجاه ​حزب الله​ اذا ما تساهل قد تترجم بلقائه وفداً كبيراً منه في مقر اقامته، وصولا الى الكلام الدائم المتعلق بمؤتمر «سيدر» وقراراته الانعاشية للاقتصاد اللبناني والتي تتطلب حكومة للمضي بها.

اذ برزت في اللحظة الاخيرة اشكالية توزير سنّة المعارضة ما أدى الى استحداث نزاع مضبوط بين رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ والرئيس المكلف ​سعد الحريري​، بعد ان كان عون حسم قراره بتوزير رئيس مجلس ادارة «سيدروس بنك» فادي عسلي في مقابل حصول الحريري على وزير مسيحي، بحيث يكون للرجلين تمثيل ذو بعد وطني وليس مذهبيا حصريا.

لكنّ اصرار الثنائي الشيعي على توزير السنة الحلفاء اضاف عقدة الى مسار التشكيل، بحيث يرفض الحريري التنازل عن وزير سني ثان الا اذا ادرج ضمن حصة رئيس الجمهورية على حساب عسلي، وبذلك يبقى لعون وزير سني واحد ويحافظ الحريري على 5 وزراء توازنا مع تمثيله السني، الا ان ذلك لم يجد طريقه نحو القبول من جانب كل من عون والحريري، حتى ان الاسماء التي طرحت بحد ذاتها، او تم التفاهم على اقتطاع وزير سني واحد من أصل ستّة لم يلق قبولا من اساسه، بحيث يرفض عون توزير النائب ​فيصل كرامي​ لانه حليف رئيس حزب «المردة» ​سليمان فرنجية​، فيما يرفض الحريري توزير النائب ​عبد الرحيم مراد​ لاعتبارات خلافية متعددة، مما جعل العقدة السنية متعددة الابعاد.

وإن كانت العقدة الدرزية حلت بالشكل بعد فتح جنبلاط الباب على توزير شخصية درزية ثالثة من خارج حصته المباشرة وتشهد تجاذبا على الوزير المخصص للتسوية، فإن الكباش المسيحي لا يزال الاقوى ولا سيما بين عون والوزير ​جبران باسيل​ من جهة وبين جعجع من جهة مقابلة، نتيجة التجاذب على ​وزارة العدل​ التي تطالب بها القوات وتعتبر ان رئيس الجمهورية كان وعد ابان الاتصالات بالتنازل عنها.

إلا أن الكلام في محور عون - باسيل هو ان رئيس الجمهورية لم يتنازل عنها قط، بل جاء طرحها من قبل الرئيس المكلف من ضمن مناقشته صيغة جديدة معه، بما يبقي هذه الحقيبة من ضمن حصة عون التي يتمسك بها وبوزيرها.

كما لم تنجح محاولة التيار بالحصول على ​وزارة الأشغال​ اذا ما كان لا بد من التنازل عن وزارة العدل بعد أن أبلغ رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب ​وفيق صفا​، باسيل، ان الثنائي الشيعي يصر على بقاء هذه الحقيبة مع المردة، ما أدى الى «كربجة» النقاش المبتور حول وزارة العدل.

ويسجل عون على جعجع مآخذ ترتبط بتحديه له عبر قوله «يضحك كثيرا من يضحك أخيرا»، عدا انه طالب بحقيبة اخرى الى جانب العدل بعدما اعتبر انها اضحت من حصته، في وقت كان قد تداولها الحريري مع القوات دون حسم الامر من جانبه، وهو يصر على حصة للقوات لا تتضمن وزارة العدل ما دام انه تخلى عن منصب نائب رئيس الحكومة.

وفي موازاة ذلك، تشهد العلاقة بين الحريري وجعجع «انقباضا»، وهذا ما دفع الدكتور سميرجعجع الى زيارة ​بيت الوسط​ بعد ايفاده الوزير ​ملحم الرياشي​ الذي حمل اليه مطالب معراب التي يتمسك بها جعجع دون اي تنازل او مساومة، ومن بينها وزارة العدل التي ينوي اسنادها الى كميل شاكر ابو سليمان.

ونتيجة هذه الوقائع، يمكن القول ان الحراك الحكومي يدور في حلقة مفرغة، حيث يرفض رئيس الجمهورية التنازل امام القوات، وكذلك باسيل، في حين ان الحريري فوجئ بطرح الثنائي الشيعي لتوزير الحلفاء السنة بعدما كان اعتبر ان هذا الفريق سيراعيه نتيجة مراعاته له في عدة مجالات، وبينها مطالبته ب​وزارة الصحة​، كما أن محاولة انتزاع حقيبة الأشغال من «المردة» لمصلحة القوات لم تأخذ مداها، ليس فقط لأن حزب الله تمسك بها من حصة فرنجية، بل لأن ثمة اتفاقاً رباعياً بين كل من الرئيس ​نبيه بري​ وجعجع وجنبلاط وفرنجية بألا «يتناتشوا» مطالب بعضهم في ما خص الحقائب، ليبقى الهدف «القضم» من حصة عون وباسيل، وهو ما سمعه بري من القوات لدى عرضه عليها حقيبة من حقّ أحد حلفائها في المحور المعادي لباسيل، حيث ردت يومذاك بان الميثاق القائم بين هذا ​التحالف الرباعي​ يقضي بعدم استحداث خلافات فيما بينها.